فصل: تفسير الآيات (114- 117):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (110- 113):

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)}
{وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة وَمَا تُقَدِّمُواْ} تسلفوا.
{لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ} طاعة وعمل صالح.
{تَجِدُوهُ} تجدوا ثوابه ونفعه. {عِندَ الله} وقيل: بالخبر الحال كقوله عزّ وجلّ {إِن تَرَكَ خَيْراً} [البقرة: 180] ومعناه وما تقدّموا لأنفسكم من زكاة وصدقة تجدوه عند الله أي وتجدوا الثمرة واللقمّة مثل أحُد {إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} ورد في الحديث: إذا مات العبد قال الله: ما خلّف؟
وقال الملائكة: ما قدّم؟
وعن أنس بن مالك قال: لمّا ماتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي بن أبي طالب عليه السلام الدّار فأنشأ يقول:
لكلّ اجتماع من خليلين فرقة ** وكلّ الّذي دون الفراق قليل

وإنّ افتقادي واحداً بعد واحد ** دليلٌ على أن لا يدوم خليل

ثمّ دخل المقابر فقال: السلام عليكم يا أهل القبور أموالكم قسّمت ودوركم سكنّت وأزواجكم نكحت فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ فهتف هاتف: وعليكم السلام ما أكلنا رِبْحَنَا وما قدّمنا وجدنا وما خلّفنا خسرنا.
{وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نصارى} قال الفرّاء: أراد يهودياً فحذف الياء الزائدة ورجعوا إلى الفعل من اليهوديّة.
وقال الأخفش: اليهود جمع هايد مثل عائِد وعود وحائل وحول وعايط وعوط وعايذ وعوذ، وفي مصحف أُبي: إلاّ من كان يهودياً أو نصرانياً ومعنى الآية وقالت اليهود: لن يدخل الجنّة إلاّ من كان يهوديّاً ولا دين إلاّ دين اليهوديّة وقالت النصارى: لن يدخل الجنّة إلاّ من كان نصرانيّاً ولا دين إلاّ النصرانية قال الله تعالى: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} شهواتهم الّتي يشتهوها ويتمنوها على الله عزّ وجلّ بغير الحقّ وقيل أباطيلهم بلغة قريش.
{قُلْ} يا محمّد. {هَاتُواْ} وأصله أتوا فقلبت الهمزة هاءً.
{بُرْهَانَكُمْ} حجتكم على ذلك وجمعه براهين مثل قربان قرابين وسلطان وسلاطين.
{إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ثمّ قال ردّاً عليهم وتكذبياً لهم {بلى} ليس كما قالوا بل يدخل الجنّة {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ} مقاتل: أخلص دينه وعمله لله وقيل: فوض أمره إلى الله.
وقيل: خضع وتواضع لله.
وأصل الإسلام والاستسلام: الخضوع والأنقياد وإنّما خصَّ الوجه لأنّه إذا جاد بوجهه في السّجود لم يبخل بسائر جوارحه.
قال زيد بن عمرو بن نفيل:
اسلمتُ وجهي لمن اسلمت ** له الأرض تحمل صخراً ثقالا

واسلمت وجهي لمن اسلمت ** له المزن يحمل عذباً زلالاً

{وَهُوَ مُحْسِنٌ} في عمله، وقيل: مؤمن، وقيل: مخلص.
{فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} {وَقَالَتِ اليهود} نزلت في يهود المدينة ونصارى أهل نجران؛ وذلك إنّ وفد نجران لمّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتّى ارتفعت أصواتهم فقالت لهم اليهود: ما أنتم على شيء من الدّين وكفروا بعيسى والأنجيل، وقالت لهم النّصارى: ما أنتم على شيء من الدّين وكفروا بموسى والتوراة.
فأنزل الله تعالى {وَقَالَتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَيْءٍ وَقَالَتِ النصارى لَيْسَتِ اليهود على شَيْءٍ}.
{وَهُمْ يَتْلُونَ الكتاب} وكلا الفريقين يقرأون الكتاب أي لتبين في كتابكم سر الاختلاف فدل تلاوتهم الكتاب ومخالفتهم مافيه على أنهم على الباطل.
وقيل: كان سفيان الثوري إذا قرأ هذه الآية قال: صدقوا جميعاً والله كذلك.
{كَذَلِكَ قَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} يعني أباءهم الذّين مضوا.
{مِثْلَ قَوْلِهِمْ} قال مقاتل يعني مشركي العرب كذلك قالوا في نبيّهم محمّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليسوا على شيء من الدّين.
وقال ابن جريج: قلت لعطاء: {كذلك قال الذين لا يعلمون} من هم؟
قال: أُمم كانت قبل اليهود والنّصارى مثل قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ونحوهم، قالوا في نبيهم إنّه ليس على شيء وأنّ الدّين ديننا.
{فالله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} يقضي بين المحقّ والمبطل يوم القيامة.
{فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من الدّين.

.تفسير الآيات (114- 117):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه} نزلت في ططيوس بن استيسانوس الرّومي وأصحابه؛ وذلك إنّهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتليهم وسبوا ذراريهم وحرقوا التّوراة وخرّبوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير وكان خراباً إلى أن بناه المسلمون في أيّام عمر بن الخطّاب.
قتادة والسّدي: هو بخت نصر وأصحابه غزوا اليهود وخرّبوا بيت المقدس وأعانهم على ذلك النّصارى ططيوس وأصحابه من أهل الرّوم.
قال السّدي: من أجل إنّهم قتلوا يحيى بن زكريّا، وقال قتادة: حملهم بعض اليهود على معاونة بخت نصّر البابلي المجوسي فأنزل الله إخباراً عن ذلك: {وَمَنْ أَظْلَمُ} أيّ أَكْفَر وأغثا {مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله} يعني بيت المقدس ومحاريبه. {أنّ يذكر} في محل نصب المفعول الثاني لأنّ المنع يتعدّى إلى مفعولين تقديره ممّن منع مساجد الله. الّذكر، وإن شئت جعلت نصباً بنزع حرف الصّفة أي: من أن يذكر.
{وسعى فِي خَرَابِهَآ} أي في عمل خرابها.
{أولئك مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ} وفي مصحف أُبي الاّخيّفاء.
قال ابن عبّاس: لا يدخلها بعد عمارتها رومي إلاّ خائفاً لو علم به قُتل.
قتادة ومقاتل: لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلاّ متنكراً مشارفه لو قدر عليه عوقب ونهك ضرباً.
السّدي: أخيفوا بالجزية، وقال أهل المعاني: هذا خبر فيه معنى للأمر كقول: اجهضوهم بالجهاد كي لا يدخلها أحد منهم إلاّ خائفاً من القتل والسّبي نظيره قوله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله...} إلى {أَبَداً} [الأحزاب: 53] نهاهم عن لفظ الخبر فمعنى الآية: ما ينبغي لهم ولكم وهذا وجه الآية.
{لَّهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ} عذاب وهوان.
قال قتادة: هو القتل للحربي والجزّية للذّمي.
مقاتل والكلبي: فتح مدائنهم الثلاثة: قسطنطينية وروميّة وعمورية.
السّدي: هو إنّه إذا قام المهدي في آخر الزمان فتحت قسطنطينية فقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم فذلك خزيهم في الدّنيا.
{وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهو النّار.
إسماعيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: لا تقوم السّاعة حتّى تفتح مدينة هرقل ويؤذّن فيها المؤذنون ويقسّم فيها المال بالترضية فينقلبون بأكثر أموال رآها النّاس قط فبينا هم كذلك إذا أتاهم إنّ الدجّال قد خلفكم في أهليكم فيلقون ما في أيديهم ويجيئونه ويقاتلونه.
وقال عطاء وعبد الرّحمن بن عوف: نزلت هذه الآية في مشركي عرب مكّة وأراد بالمساجد المسجد الحرام منعوا محمّداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه من حجّه والصّلاة فيه عام الحديبية وإذا منعوا من تعميره بذكر الله عزّ وجلّ فقد سعوا في خرابه يدلّ عليه قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله} [التوبة: 17] الآية {أولئك مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ} يعني أهل مكّة يقول: أفتحها عليكم حتّى تدخلوها أو تكونوا أولى بها منهم ففتحها الله عليهم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى: ألا لا يحجّنّ بعد هذا العام مشرك ولا يطوفنّ بالبيت عريان فطفق المشركون يقولون: اللّهمّ إنّا قد منعنا أن نشرك بهذا لهم في الدّنيا خزي الذّل والقتل والسّبي والنّفي ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
{وَللَّهِ المشرق والمغرب} الآية: اختلفوا في سبب نزولها فقال ابن عبّاس: خرج نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وذلك قبل تحويل القبلة إلى الكعبة فاصابهم الضّباب فحضرت الصّلاة فتحروا القبلة وصلّوا فمنهم من صلّى إلى المشرق ومنهم من صلّى إلى المغرب. فلما ذهب الضّباب استبان لهم إنّهم لم يصيبوا. فلّما قدموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت هذه الآية بذلك.
وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: «كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلاً فجعل الرّجل يتّخذ أحجاراً فيعمل مسجداً يُصلّي فيه، فلّما أصبحنا إذا نحن قد صلّينا إلى غير القبلة فقلنا يا رسول الله: لقد صليّنا ليلتنا هذه إلى غير القبلة فأنزل الله هذه الآية».
قال عبد الله بن عمر: نزلت في صلاة المسافر يصلّي حيثما توجّهت به راحلته تطوعاً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي على راحلته جائياً من مكّة إلى المدينة.
وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي على راحلته في السّفر حيثما توجّهت به.
قال عكرمة: نزلت في تحويل القبلة لما حوّلت إلى الكعبة. فأنزل الله تعالى {وَللَّهِ المشرق والمغرب}.
{فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ} أيها المؤمنون في سفركم وحضركم.
{فَثَمَّ وَجْهُ الله} قبلة الله التي وجهكم إليها فاستقبلوها يعني الكعبة، وقال أبو العالية: لما غيّرت القبلة إلى الكعبة عيّرت اليهود المؤمنين في انحرافهم من بيت المقدس. فأنزل الله تعالى هذه الآية جواباً إليهم.
عطاء وقتادة: «نزلت في النجاشي وذلك إنّه توفّي، فأتى جبرئيل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ أخاكم النجاشي قد مات فصلّوا عليه. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نُصلّي على رجل مات وهو يُصلي إلى غير قبلتنا؟ وكان النجاشي يُصلّي إلى بيت المقدس حتّى مات. فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وقال مجاهد والحسن والضحّاك: لمّا نزلت: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] قالوا أين ندعوه؟ فنزلت {وَللَّهِ المشرق والمغرب} ملكاً وخلقاً {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ} تحولّوا وجوهكم {فَثَمَّ} هناك {وَجْهُ الله}.
وقال الكلبي والقتيبي: معناه فثمّ الله عليم يرى والوجه صلة كقوله تعالى. {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] [الكهف: 28] أيّ يريدونه بالدُّعاء، وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88]. أيّ إلاّ هو، وقوله تعالى: {ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] أي ويبقى ربّك، وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} [الإنسان: 9] أيّ لله.
وقال الحسن ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان: فثمّ قبلة الله أضافها إلى نفسه تخصيصاً وتفصيلاً، كما يُقال: بيت الله، وناقة الله، والوجه والجهة والوجهة: القبلة.
{إِنَّ الله وَاسِعٌ} قال الكلبي: واسع المغفرة لا يتعاظم مغفرته ذنب دليله قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المغفرة} [النجم: 32].
أبو عبيدة: الواسع الغني يُقال: يُعطي فلان من سعة أي من غنى قال الله {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] قال الفراء: الواسع الجواد الذي يسع عطاءهُ كل شيء. دليله قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] وقيل: الواسع العالم الذي يسع علمه كلّ شيء. قال الله {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض} [البقرة: 255] أي علمه.
{عَلِيمٌ} بنياتهم حيثما صلّوا ودعَوَا، وقال بعض السّلف: دخَلت ديراً فجاء وقت الصّلاة فقلت لبعض من في الدّير: دُلني على بقعة طاهرة أُصلي فيها. فقال لي: طهّر قلبك عمّن سواه، وقف حيث شئت. قال: فخجلت منه.
{وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَداً سُبْحَانَهُ} نزلت في يهود أهل المدينة حيث قالوا: عُزيرا بن الله، وفي نصارى نجران حيث قالوا: المسيح بن الله وفي مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات الله. (سبّحانه) نزّه وعظم نفسه.
{بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض} عبيداً وملكاً.
{كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} مجاهد وعطاء والسّدي: مطيعون دليله قوله تعالى: {والقانتين والقانتات} [الأحزاب: 35].
عكرمة ومقاتل ويمان: مقرون بالعبوديّة.
ابن كيسان: قائمون بالشهادة، وأصل القنوت: القيام، وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت»، وقيل: مصلّون دليله قوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ الليل} [الزمر: 9] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {مثل المجاهد في سبيل الله مثل القانت الصائم} أيّ المُصلّي.
وقيل: داعون. دليله قوله تعالى: {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال بعضهم: هو خاص، ثمَّ سلكوا في تخصيصه طريقين: أحدهما هو راجع إلى عُزير والمسيح والملائكة، وهو قول مقاتل ويمان.
القول الثاني قالوا: هو راجع إلى أهل طاعته دون النّاس أجمعين وهذا قول ابن عبّاس والفراء، وقال بعضهم: هو عام في جميع الخلق ثمَّ سلكوا في الكفّار الجاحدين طريقين أحدهما: إنّ ظلالهم تسجد لله وتطيعه، وهذا قول مجاهد دليله قوله عزّ وجلّ {يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ اليمين} [النحل: 48] الآية. قال الله تعالى {وَظِلالُهُم بالغدو والآصال} [الرعد: 15].
والثاني: هذا يوم القيامة قاله السدي وتصديقه قوله تعالى: {وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَيِّ القيوم} [طه: 111].
{بَدِيعُ السماوات والأرض} أي مبتدعها ومنشُها من غير مثال سبق {وَإِذَا قضى أَمْراً} أي بيده وأراد خلقه وأصل القضاء إتمام الشيء وإحكامه.
قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما ** داود أوصنع السوابغ تبّع

{فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.